إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 7 يونيو 2011

مقال اليوم: (أشتاتا أشتوت) بقلم الأمير كمال فرج (مقال يصدر يوميا في التاسعة صباحا بتوقيت القاهرة )


1+1= 2 ، ولكن في هذا العصر يمكن أن تكون النتيجة 20، أو 30 ، هكذا بكل بساطة، عندما يشيع الجهل تتراجع القواعد، ويضع كل شخص قانونه الخاص، عندما يتراجع الأكفاء ويجلس على الكراسى الجهلاء يمكن أن يبرز أي شخص ليؤكد لك ـ ببجاحة ـ أن الشمس تطلع بالليل، وأن الفيل يطير، ويقدم بكل ثقة براهينه الكاذبة. ويطلع لك شخص ليؤكد لك أن المقتول هو الجاني، وان القاتل المأجور أحول العينين ..  ملاك.   مادام هناك نص، فهناك دائما تفسير للنص، وهناك بالتالي جهابذة لتفسير النص،  وشرحه،  وتحليله،  وتأويله. مادام هناك مولد ، فلابد من وجود الباعة الجائلين ، الحواة ولاعبي السيرك،  والفتاة التي توضع اللمبة على شعرها تنير، وعلى بطنها تنير. مادام هنا ضعف في الإيمان سيبرز ضاربوا الودع ومفسرو الأحلام.   التفسير أصبح مهنة ، كالزرع الشيطاني الذي طلع فجأة بلا جذور، "سبوبة" بلغة أهل الشارع، .. مهنة جديدة  اخترعها البعض  في ظل البطالة والفساد الاجتماعي والسياسي، ، كمهنة منادي السيارات التي اخترعها أحد العاطلين، لذلك امتلأت الساحة بالمفسرين والمنظرين والمفتين الذين يطلقون النظريات والفتاوى هنا وهناك،  يعملون بجد ونشاط على تضليل الناس، ويشبهون في ذلك المشعوذ، الذي يحرك رأسه يمنة ويسرة، ويلقي البخور على الجمر، ويمد "بوزه" ويصرخ في وجهك "برررررر .. أشتاتا .. أشتوت".   الثقافة العربية مولعة بالتفسير ، فعندما يوجد نص، يوجد مفسر للنص، ويوجد بعد ذلك مفسر للتفسير، وبعد ذلك يوجد مفسر للتفاسير، ليصبح التفسير مجموعة من الأحاجي والألغاز .   إذا أردت التأكد من ذلك اقرأ نقدا أو تحليلا لقصيدة أو لوحة تشكيلية، ستكتشف أن الكاتب ـ أعزه الله ـ قد أغرقك في التحليلات والتهيؤات لدرجة تسأل نفسك عندها .. "هوه الموضوع الأساسي إيه"". في كثير من الأحيان يحتاج تحليل النص الأدبي إلى محلل جديد يفك لنا ألغازه ومصطلحاته المقعرة.   في الثقافة العربية يوجد الجناس والطباق والمحسنات البديعية ، ويوجد أيضا "التورية" وهي اللفظ الذي يحتمل معنيين لكي يضلل الناس، الثقافة العربية لغة تأويل والإطناب والإسهاب والثرثرة .. لا تصل إبدا إلى المعنى مباشرة. هناك دائما طرق ملتوية، .. وسيط بينك وبين المعنى الذي تريده. العربي لا يتمكن من التعبير عن المعنى مباشرة دون المرور على التشبيه والاستعارة والحركات والحلف والأيمان المغلظة.   لذلك كان النص في اللغة العربية قابلا للتأويل .. ليس فقط التأويل ، ولكن الشرح والتفسير والتحليل ، النص يمكن أن يؤخذ على أكثر من وجه وأكثر من معنى، وهنا مكمن الخطر.   خدعة النص أوصلتنا إلى فوضى المعاني والفتاوى والمواقف، فأصبح لكل دولة "مفتى"، بل وأصبح لكل مذهب مرجعية للفتوى، وأصبح لكل حاكم مفتى يتحرك بالخيوط كما يحدث في مسرح العرائس؟   هناك ولع عربي قديم بالفوازير والأحاجي والغموض وعالم الغيب، حتى إذا كان النص واضحا لا ريب فيه ولا لبس فيه،  سنجد من يفتي فيه،  ويدلي كل شخص بدلوه .  اجلس مرة في جلسة شعبية، واسأل عن مرض معين ، لن يقول أحد "لا أعرف"، ستجد كل من الحاضرين يتباري لكي يوصف لك العلاج السليم، حتى ولو لم يعرف أي منهم شيئا . هناك شهوة للكلام وإبداء الرأي .   الحرام بين والحلال بين، ولكن عند البعض الحرام  يحتاج إلى "خبير" لسبر أغواره،  والحلال يحتاج إلى "اختصاصي" لتوضيحه، ولا أدري حقيقة السبب، هل حرمان الشخصية العربية من حق الرأي والتعبير والشورى السبب، هل القهر الاجتماعي والسياسي يدفع الناس إلى التعويض بالثريرة والحديث بلا علم،  والإفتاء بلا سند؟.   لقد دفعنا جميعا ثمنا غاليا لتفسير النص، ففسر كل منا النص على هواه، وأصبحت "النصوص" وسيلة للعب والخداع والقمع السياسي والاجتماعي، وفقدت الفتوى هيبتها، وأصبحنا نرى العديد من الفتاوي المضحكة والموجهة والمسيسة  مسبقة الدفع.   الذين يرفضون النص من الأساس يكونوا أراحوا واستراحوا، ولكن المشكلة فيمن يعلن التزامه بالنص، ولكنه يفسره "على مزاجه". والنص قد يكون قانونا أو كتابا دينيا أو قواعد وظيفية .   لقد أفرزت فوضى النصوص حالة غريبة، فالبعض يمارس الخطايا باسم الدين، والبعض يرتكب الجرائم بالقانون . والبعض يسرق المال العام باللائحة،  لقد أصبحت "النصوص" في ظل فوضى التفاسير وسيلة إجرامية بدلا من أن تكون وسيلة للإصلاح والتهذيب وإقرار العدل.   نحتاج إلى آلية خاصة للتعامل مع النصوص، حتى لا تكون النصوص مصدرا للشر، والدمار والانحلال والظلم. وذلك بتحديد مباديء التعامل مع النص .. أي نص،  ووضع الضوابط التي تمنع الأهواء والاستغلال والأغراض الشخصية .. وليتنا نقصر الأمر في ذلك على مرجعية واحدة ، لأن هوى الشخص الواحد متوقع،  ولكن هوى الجماعي قليل ونادر.   احذر الوقوع في غواية النص، ـ أي نص ـ لا تأخذ التفسيرعلى عواهنه،  فقد يكون التفسير خدعة أو لغم أو شرك،  واستعن في فهم النصوص بأدوات أخرى كالعقل والمنطق والإيمان والثقة. بذلك تكسب ثمرة النص الرائعة،  وتتجنب الأشواك.   الأمير كمال فرج

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التسميات